الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: معالم السنن
.ومن باب الرجل يطأ الأذى برجله: قال أبو داود: حدثنا هناد بن السري، عَن أبي معاوية عن الأعمش عن شقيق قال: قال عبد الله كنا لا نتوضأ من موطئ ولا نكُف شعرا ولا ثوبا.الموطئ ما يوطأ من الأذى في الطرق وأصله الموطوء بالواو وإنما أراد بذلك أنهم كانوا لا يعيدون الوضوء للأذى إذا أصاب أرجلهم لأنهم كانوا لا يغسلون أرجلهم ولا ينظفونها من الأذى إذا أصابها.وقوله لا نكف شعرا ولا ثوبا أي لا نقيها من التراب إذا صلينا صيانة لهما عن التتريب ولكن نرسلهما حتى يقعا بالأرض فيسجدا مع الأعضاء..ومن باب في المذي: قال أبو داود: حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك، عَن أبي النَّضر عن سليمان بن يسار عن المقداد بن الأسود «أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أمره أن يسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل إذا دنا من أهله فخرج منه المذي ماذا عليه فإن عندي ابنته وأنا أستحي أن أسأله. قال المقداد: فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال: إذا وجد أحدكم ذلك فلينضح فرجه وليتوضأ وضوءه للصلاة».قال أبو داود: حدثنا أحمد بن يونس حدثنا زهير حدثنا هشام بن عروة عن عروة أن عليا رضي الله عنه قال للمقداد وذكر نحو هذا. قال: فسأله المقداد فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ليغسل ذكره وأنثييه».قوله: «فلينضح فرجه» معناه ليغسله بالماء وأمر بغسل الأنثيين استظهارا بزيادة التطهير لأن المذي ربما انتشر فأصاب الأنثيين ويقال إن الماء البارد إذا أصاب الأنثيين رد المذي وكسر من غربه فلذلك أمره بغسلهما.وفيه من الفقه أن المذي نجس وأنه ليس فيه إلاّ الوضوء..ومن باب الإكسال: قال أبو داود: حدثنا محمد بن مهران البزاز الرازي حدثنا مبشر الحلبي عن محمد أبي غسان، عَن أبي حازم عن سهل بن سعد حدثني أُبيّ بن كعب أن الفتيا التي كانوا يفتون أن الماء من الماء كانت رخصة رخصها رسول الله صلى الله عليه وسلم في بدء الإسلام ثم أمر بالاغتسال بعد.قال معنى الماء من الماء إنما هو وجوب الاغتسال بالماء من أجل خروج الماء الدافق وكان الحكم في صدر الإسلام أن مخالطة الرجل المرأة حتى يلتقي الختانان منهما من غير إنزال لا يوجب الاغتسال فأحد الماءين المذكورين في الخبر هو المني والماء الآخر الغسول الذي يغسل به. ثم نسخ ذلك واستقر الحكم على أن الختانين إذا التقيا فقد وجب الغسل سواء كان هناك إنزال أو لم يكن، وقد بقي على المذهب الأول جماعة من الصحابة لم يبلغهم خبر التقاء الختانين. منهم سعد بن أبي وقاص وأبو أيوب الأنصاري وأبو سعيد الخدري ورافع بن خديج وزيد بن خالد وممن ذهب إلى قولهم سليمان الأعمش ومن المتأخرين داود بن علي. وروى شريك عن داود عن عكرمة عن ابن عباس في قوله: «الماء من الماء» قال إنما ذلك في الاحتلام.وفي قوله: «الماء من الماء» مستدل لمن ذهب إلى طهارة المني وذلك أنه سماه ماء.وهذا الاسم على إطلاقه لا يكون إلاّ في الطاهر ألا ترى أنه قال لا يقولن أحدكم أرقت ماء وليقل بُلْتُ فمنع إطلاق هذا الاسم على النجاسة..ومن باب الجنب يؤخر الغسل: قال أبو داود: حدثنا حفص بن عمر النمري حدثنا شعبة عن علي بن مدرك، عَن أبي زُرعة بن عمرو بن جرير عن عبد الله بن نُجيّ عن أبيه عن علي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا تدخل الملائكة بيتا فيه صورة ولا كلب ولا جنب».قوله: «لا تدخل الملائكة بيتا» يريد الملائكة الذين ينزلون بالبركة والرحمة دون الملائكة الذين هم الحفظة فإنهم لا يفارقون الجنب وغير الجنب.وقد قيل أنه لم يرد بالجنب هاهنا من أصابته جنابة فأخر الاغتسال إلى أوان حضور الصلاة ولكنه الذي يجنب فلا يغتسل ويتهاون به ويتخذه عادة فإن النبي صلى الله عليه وسلم قد كان يطوف على نسائه في غسل واحد، وفي هذا تأخير الاغتسال عن أول وقت وجوبه. وقالت عائشة: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينام وهو جنب من غير أن يمس ماء».وأما الكلب فهو أن يقتني كلبا ليس لزرع ولا ضرع أو صيد، فأما إذا كان يرتبطه للحاجة إليه في بعض هذه الأمور أو لحراسة داره إذا اضطر إليه فلا حرج عليه. وأما الصورة فهي كل صورة من ذوات الأرواح كانت لها أشخاص منتصبة أو كانت منقوشة في سقف أو جدار أو مصنوعة في نمط أو منسوجة في ثوب أو ما كان فإن قضية العموم تأتي عليه فليجتنب وبالله التوفيق..ومن باب الجنب يقرأ: قال أبو داود: حدثنا حفص بن عمر حدثنا شعبة عن عمرو بن مُرة عن عبد الله بن سلمة قال دخلت على عليّ أنا ورجلان رجل منا ورجل من بني أسد فبعثهما علي رضي الله عنه وجها. وقال إنكما عِلجان فعالجا عن دينكما. فدخل المخرج ثم خرج فدعا بماء فأخذ منه حفنة فتمسح بها ثم جعل يقرأ القرآن فأنكروا ذلك فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يخرج من الخلاء فيقرئنا القرآن ويأكل معنا ولم يكن يحجبُه أو قال يحجزُه عن القرآن شيء ليس الجنابة.قوله: إنكما علجان يريد الشدة والقوة على العمل يقال رجل عَلج وعُلج إذا كان قوي الخلقة وثيق البنية، وقوله عالجا عن دينكما أي جاهدا وجالدا.وقوله: ليس الجنابة معناه غير الجنابة، وحرف ليس لها ثلاثة مواضع أحدها أن تكون بمعنى الفعل ترفع الاسم وتنصب الخبر كقولك ليس عبد الله عاق وتكون بمعنى لا كقولك رأيت عبد الله ليس زيدا تنصب به زيدا كما تنصب بلا وتكون بمعنى غير، كقولك ما رأيت أكرم من عمرو ليس زيد أي غير زيد وهو يجر ما بعده.وفي الحديث من الفقه أن الجنب لا يقرأ القرآن وكذلك الحائض لا تقرأ لأن حدثها أغلظ من حدث الجنابة. وكان أحمد بن حنبل يرخص للجنب أن يقرأ الآية ونحوها وكان يوهن حديث علي هذا ويضعف أمر عبد الله بن سلمة وكذلك قال مالك في الجنب أنه لا يقرأ الآية ونحوها. وقد حكي عنه أنه قال تقرأ الحائض ولا يقرأ الجنب لأن الحائض إذا لم تقرأ نسيت القرآن لأن أيام الحيض تتطاول ومدة الجنابة لا تطول، وروي عن ابن المسيب وعكرمة أنهما كانا لا يريان بأسا بقراءة الجنب القرآن وأكثر العلماء على تحريمه..ومن باب الجنب يدخل المسجد: قال أبو داود: حدثنا مسدد حدثنا عبد الواحد بن زياد حدثنا الأفلتُ بن خليفة حدثتني جسرة بنت دجاجة قالت سمعت عائشة رضي الله عنها تقول: «جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ووجوه بيوت أصحابه شارعة في المسجد فقال وجهوا هذه البيوت عن المسجد فإني لا أحل المسجد لحائض ولا جنب».وجوه البيوت أبوابها ولذلك قيل لناحية البيت التي فيها الباب وجه الكعبة.وقوله: «وجهوا هذه البيوت عن المسجد» أي احرفوا وجوهها يقال وجهت الرجل إلى ناحية كذا إذا جعلت وجهه إليها ووجهته عنها إذا صرفته عن جهتها إلى جهة غيرها.وفي الحديث بيان أن الجنب لا يدخل المسجد وظاهر قوله صلى الله عليه وسلم: «فإني لا أحل المسجد لحائض ولا جنب» يأتي على مقامه في المسجد ومروره فيه.وقد اختلف العلماء في ذلك فقال أصحاب الرأي لا يدخل الجنب المسجد إلاّ بأحد الطهرين وهو قول سفيان الثوري فإن كان مسافرا ومر على مسجد فيه عين ماء تيمم بالصعيد ثم دخل المسجد واستقى. وقال مالك والشافعي ليس له أن يقعد في المسجد وله أن يمر فيه عابر سبيل. وتأول الشافعي قوله تعالى: {لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى} [النساء: 43] الآية. على أن المراد به المسجد وهو موضع الصلاة وعلى هذا تأوله أبو عبيدة معمر بن المثنى. وكان أحمد بن حنبل وجماعة من أهل الظاهر يجيزون للجنب دخول المسجد إلاّ أن أحمد كان يستحب له أن يتوضأ إذا أراد دخوله وضعفوا هذا الحديث وقالوا افلتُ راويه مجهول لا يصح الاحتجاج بحديثه، والآية على مذهب هؤلاء الطائفة المتقدمة متأولة على أن عابري سبيل هم المسافرون تصيبهم الجنابة فيتيممون ويصلون، وقد روي ذلك عن ابن عباس..ومن باب الجنب يصلي بالقوم وهو ناس: قال أبو داود: حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد عن زياد الأعلم عن الحسن، عَن أبي بكرة «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل في صلاة الفجر فأومأ بيده أَنْ مكانكم ثم جاء ورأسه يقطر ماء فصلى بهم».قلت: في هذا الحديث دلالة على أنه إذا صلى بالقوم وهو جنب وهم لا يعلمون بجنابته إن صلاتهم ماضية ولا إعادة عليهم وعلى الإمام الإعادة وذلك أن الظاهر من حكم لفظ الخبر أنهم قد دخلوا في الصلاة معه ثم استوقفهم إلى أن اغتسل وجاء فأتم الصلاة بهم، وإذا صح جزء من الصلاة حتى يجوز البناء عليه جاز سائر أجزائها، والاقتداء بالإمام طريقه الاجتهاد، وإنما كلِفَ المأموم الظاهِرَ من أمره وليس عليه الإحاطة لأنه يتعذر دركها فإذا أخطأ فيما حكمه الظاهر لم ينقض عليه فعله كالحاكم لا ينقض عليه حكمه فيما طريقه الاجتهاد وإن أخطأ فيه ولا سبيل للمأموم إلى معرفة طهارة الإمام ولا عتب عليه إن عزب عنه علمها وهو قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه ولا يعلم له مخالف وإليه ذهب الشافعي.وفي الحديث دليل على أن افتتاح المأموم صلاته قبل الإمام لا تبطل صلاته وفيه حجة لمن ذهب إلى البناء على الصلاة في الحدث..ومن باب في الرجل يجد البِلةَ في منامه: قال أبو داود: حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا حماد بن خالد الخياط حدثنا عبد الله العمري عن عبيد الله عن القاسم عن عائشة قالت: «سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل يجد البلل ولا يذكر احتلام قال يغتسل وعن الرجل يرى أنه قد احتلم ولا يجد البلل قال لا غسل عليه. فقالت أم سليم المرأة ترى ذلك أعليها الغسلُ قال نعم إنما النساء شقائق الرجال».قلت: ظاهر هذا الحديث يوجب الاغتسال إذا رأى البلة وإن لم يتيقن أنها الماء الدافق. وروي هذا القول عن جماعة من التابعين هم عطاء والشعبي والنخعي وقال أحمد بن حنبل أعجب إليّ أن يغتسل إلاّ رجلا به أبردة.وقال أكثر أهل العلم: لا يجب عليه الاغتسال حتى يعلم أنه بلل الماء الدافق واستحبوا أن يغتسل من طريق الاحتياط ولم يختلفوا أنه إذا لم ير الماء وإن كان رأى في النوم أنه قد احتلم فإنه لا يجب عليه الاغتسال، وعبد الله بن عمر العمري ليس بالقوي عند أهل الحديث.وقوله: «النساء شقائق الرجال» أي نظائرهم وأمثالهم في الخلق والطباع فكأنهن شققن من الرجال.وفيه من الفقه إثبات القياس وإلحاق حكم النظير بالنظير وأن الخطاب إذا ورد بلفظ الذكور كان خطابا بالنساء إلا مواضع الخصوص التي قامت أدلة التخصيص فيها، وفيه ما دل على فساد قول من زعم من أهل الظاهر أن من أعتق شركًا له في جارية بينه وبين شريكه وكان موسرًا فإنه لا يقوَّم عليه نصيب شريكه ولا تعتق الجارية لأن الحديث إنما ورد في العبد دون الأمة..ومن باب الغسل من الجنابة: قال أبو داود: حدثنا محمد بن المثنى حدثنا أبو عاصم عن حنظلة عن القاسم عن عائشة قالت: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اغتسل من الجنابة جاء بشيء نحو الحِلاب فأخذ بكفيه فبدأ بشِق رأسه الأيمن ثم الأيسر ثم أخذ بكفيه فقال بهما على رأسه».الحلاب إناء يسع قدر حلبة ناقة، وقد ذكره محمد بن إسماعيل في كتابه وتأوله على استعمال الطيب في الطهور وأحسبه توهم أنه أريد بالمحلب الذي يستعمل في غسل الأيدي. وليس هذا من الطيب في شيء وإنما هو على ما فسرتم لك ومنه قول الشاعر:قال أبو داود: حدثنا نصر بن علي حدثنا الحارث بن وجيه حدثنا مالك بن دينار عن محمد بن سيرين، عَن أبي هريرة قال: قال رسول الله: «تحت كل شعرة جنابة فاغسلوا الشعر وأنقوا البشرة».ظاهر هذا الحديث يوجب نقض القرون والضفائر إذا أراد الاغتسال من الجنابة لأنه لا يكون شعره كله شعرة شعرة مغسولا إلاّ بنقضها وإليه ذهب إبراهيم النخعي وقال عامة أهل العلم إيصال الماء إلى أصول الشعر وإن لم ينقض شعره يجزيه. والحديث ضعيف والحارث بن وجيه مجهول وقد يحتج به من يوجب الاستنشاق في الجنابة لما في داخل الأنف من الشعر.واحتج بعضهم في إيجاب المضمضة بقوله: «وأنقوا البشرة» وزعم أن داخل الفم من البشرة، وهذا خلاف قول أهل اللغة لأن البشرة عندهم هي ما ظهر من البدن فباشره البصر من الناظر إليه، وأما داخل الأنف والفم فهو الأدمة والعرب تقول فلان مُؤدَم مُبشر إذا كان حسن الظاهر مخبوء الباطن كذلك أخبرني أبو عمر، عَن أبي العباس أحمد بن يحيى. .ومن باب في المرأة هل تنقض شعرها عند الغسل: قال أبو داود: حدثنا زهير بن حرب حدثنا سفيان بن عيينة عن أيوب بن موسى عن سعيد بن أبي سعيد عن عبد الله بن رافع مولى أم سلمة عن أم سلمة أن امرأة من المسلمين قالت: «يا رسول الله إني امرأة أشد ضفر رأسي أفأنقضه للجنابة. قال: إنما يكفيك أن تحثي عليه ثلاث حَثَيات من ماء ثم تفيضي على ساتر جسدك فإذا أنت قد طهرت».قولها: «أشد ضفر رأسي» أي فتل الشعر وإدخال بعضه في بعض يقال ضفرت الشعر إذا فعلت ذلك به وضفرت شراك النعل ونحوه والعقائص يقال لها الضفاير.وفي قوله صلى الله عليه وسلم: «فإذا أنت قد طهرت» دليل على أنه إذا انغمس في الماء أو بلل به بدنه من غير دلك باليد وإمرار بها عليه فقد أجزأه، وهو قول عامة الفقهاء إلاّ مالك فانه قال إذا اغتسل من الجنابة فانه لا يجزيه حتى يُمر يده على جسده. وكذلك قال في الوضوء إذا غمس يده أو رجله في الماء لم يجزئه وإن نوى الطهارة حتى يمر يديه على رجليه يتدلك بهما.وفيه دليل على أن الفيضة الواحدة من الماء إذا عمت تجزيه وأن الغسلات الثلاث إنما هي على الاستحباب وليست على الوجوب.
|